ينظر الدين الإسلامي الحنيف إلى الإنسان على أنه وحدةٌ واحدةٌ مترابطة الجوانب، متكاملة القوى. وعلى الرغم من أن لهذه الوحدة جوانب ثلاثة هي ( الروح ، والجسم ، والعقل ) إلا أنها تُشكِّل فيما بينها كياناً واحداً يعتمد في تكوينه على توازنٍ دقيق، وترابطٍ شديد، وتداخلٍ شائكٍ فيما بين هذه الجوانب الثلاثة التي تتضح العلاقة بينها في كونها تُشكل في مجموعها ما يُمكن تسميته بالأبعاد الأساسية لشخصية الإنسان، وبقدر ما بينها من توافقٍ وانسجام يكون تكامل هذه الشخصية . كما أن الترابط والتداخل بين هذه الجوانب الثلاثة قوي جداً لدرجةٍ يصعب معها إمكانية الفصل بينها.
وليس هذا فحسب بل إن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة تتمثل في أن كُلاً منها يتأثر بالآخر ويؤثر فيه ، وما يؤثر في أحد هذه الجوانب يؤثر في الجانبين الآخرين ؛ ولعل خير مثالٍ يوضح مدى قوة العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة أنها قد تشترك مجتمعةً في العمل الواحد الذي يؤديه الإنسان، فالصلاة عند المسلم كما يُشير إلى ذلك الأستاذ/ محمد قطب " تشمل الكيان البشري كله في آنٍ واحد : جسمه ، وعقله ، وروحه . فنصيب الجسم هو الحركة من قيامٍ ، وركوعٍ ، وسجودٍ ، وتحركٍ ، وسكونٍ . ونصيب العقل هو التفكر فيما يتلوه المصلي من الأدعية والآيات . ونصيب الروح هو الخشوع ، والتقوى ، والتطلُّع إلى رحمة الله . وكلُ ذلك في آن." [ 1 ] ( بتصرف من الكاتب ).
وهذا معناه أن العلاقة بين الجسم ، والعقل ، والروح ، تتلخص في أن التربية الإسلامية تسعى للإفادة الكاملة و التامة من طاقات وقدرات هذه الجوانب الإنسانية الثلاثة مجتمعةً ، وتسخيرها بصورةٍ متناسقةٍ لغرض تحقيق أهدافها السامية ، وغايتها الكُلية ؛ فالطاقات الجسمية – على سبيل المثال - تُستخدم لتحقيق معنى العبادة الخالصة انطلاقاً من قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات : 56 ) . وللقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض انطلاقاً من قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة} ( البقرة : 30 ) . ولإصلاح الأرض وإعمارها على النحو الذي يتفق مع شرع الله العظيم ، ومنهجه القويم عملاً بقوله تعالى: { هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} ( هود : 61 ).
و الطاقات العقلية تُسخَّر للتفكر والتأمل والتدبر في آيات الله الكونية العظمى التي انتدب الله سبحانه عباده إلى إعمال العقل فيها بقوله تعالى : { إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون } ( الرعد : 3 ). وقوله تعالى : { أولم يتفكروا في أنفسهم } ( الروم : 8 ). إضافةً إلى تسخير هذه القوى والطاقات للتعرف على سنن الله تعالى الكونية وقوانينه الإلهية، ومن ثم تسخيرها لخدمة الإنسان ونفعه تحقيقاً لقوله تعالى : { وسخَّر لكم ما في السموات وما في الأرض جمـيعاً منه إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون } ( الجاثية : 13 ) .
أما الطاقات الروحية فتُوجَّه لاستمرارية التواصل مع الله سبحانه وتعالى ، والارتباط به ، والإخلاص له في كل شأنٍ من شؤون الحياة عن طريق أداء العبادات المفروضة ، وامتثال الطاعات المشروعة ؛ قال تعالى : { قل إن صلاتي ونسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } ( الأنعام : 162 - 163) .
وبذلك فإنه يمكن القول : إن العلاقة بين هذه الجوانب الثلاثة علاقة ارتباطٍ وتلازم إذ أنه لا يمكن أن يستغني جانبٌ منها عن غيره ؛ و لا يمكن أن تقوم الشخصية الإنسانية بدون تكامل هذه الجوانب الرئيسة وانسجامها مع بعضها .
هل هناك علاقة بين الروح و العقل و الجسم |
بقلم الدكتور : صالح بن علي أبو عرَّاد |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق